الشيخ جرّاح، غزة ، بيتا.. مُثلث الإلهام الفلسطيني
منذ انطلاق المقاومة الباسلة، والنوعية، من حي الشيخ جرّاح المقدسي مرورًا بمعركة سيف القدس بقيادة غزة العزة، ووصولاً إلى التحدي البيتاوي في جبل صبيح، والجمهور الفلسطيني، لا بل العربي والإسلامي والدولي، ينظر بانبهارٍ شديد لإنجازات المقاومة في هذه المواقع باعتبارها نماذج للإلهام الفلسطيني ... فكيف استطاعت هذه المواقع رغم صغر مساحتها الجغرافية أن تُشكّل مصدرًا لهذا الإلهام؟!
إن المتابع لتطورات الأحداث في هذه المواقع يجد نفسه أمام مشهدٍ فلسطينيٍ جديد لم يُشاهده من قبل... فما هي أهم أسرار هذا الصمود والتحدي، والمواجهة المستمرة والأسطورية لهذا الاحتلال وقطعان مستوطنيه؟!
هناك العديد من القواسم المشتركة بين أشكال المواجهة المختلفة في هذه الساحات والمعارك النضالية، والتي من أهمها:
أولاً: الاعتماد على النفس، والاستعداد العالي من سكان هذه المواقع للدفاع عن حقهم وأرضهم ومقدساتهم بالغالي والنفيس وعلى مدار الساعة، غير آبهين بحجم الأثمان التي قد يضطرون لتسديدها جراء خوضهم لهذه المعارك والملاحم اليومية مع الاحتلال وقطعان مستوطنيه.
ثانيًا: المقاومة الشعبية الموحدة، والحضور اللافت للجمهور الفلسطيني في هذه المواقع، والتي قد تشمل جميع أفراد الأسرة من آباء وأبناء وأمهات، فالجميع دومًا على قلبٍ واحد ورؤية واحدة، مستعدين للدفاع بأموالهم وأولادهم وأنفسهم، وليس كما جرت العادة في الانتفاضات والمواجهات السابقة، إذ كانت المشاركة تقتصر على الشباب والمراهقين فقط، وأحيانًا وسط معارضة العديد من الآباء والأمهات الذين تشكل لدى العديد منهم عقدة الضعف والهزيمة والانكسار والتراجع المستمر وفقدان الثقة بأن يكون هناك جدوى من هكذا المقاومة.
ثالثًا: تعدد وتنوع أشكال المقاومة، فهم يبتكرون أساليب جديدة، بدءًا من المسيرات الجماهيرية والاعتصامات والإطارات المشتعلة والمواجهات، مرورًا بأدوات الإرباك الليلي من استخدام الألعاب النارية والبالونات الحارقة، وصولاً إلى المواجهة المسلحة كما حدث في معركة سيف القدس، بالإضافة إلى الاستخدام الشعبي الفاعل لوسائل التواصل الاجتماعي والإعلام لنقل الرواية الفلسطينية.
رابعًا: تعزيز الجوانب المعنوية للمقاومين نظرًا لتعدّد الأشكال التضامنية الشعبية معهم، سواء على المستوى الداخلي أوالخارجي التي رأت في تحدي ومقاومة أطراف هذا المثلث آمالاً مُبشرة بإمكانية التحرر والاستقلال القريب.
خامسًا: التوقيت: جاءت إنجازات المقاومة في هذه المواقع، وما أنتجه رد الفعل المقاوم هذا من مشاهد لم يكن أحد يتوقع رؤيتها في هذا الوقت بالذات، وخاصة في ظل الانتكاسات العربية والإسلامية في بعض بلدان الربيع العربي، وانشغالها بأوضاعها الداخلية، وكذلك حملات التطبيع العربية مع الكيان الصهيوني.
سادسًا: ظهور بعض الشخصيات الوفية والقوية من الشباب والشيوخ والرجال والنساء الذين غلّبوا لغة الإنجاز والأفعال بدلاً من الجعجعات والأقوال، فأصبحوا نماذج مُبهرة ومُلهمة لغيرهم من الفلسطينين.
سابعًا: قدرة المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة على التوظيف الأمثل لمواردها القليلة بشكلٍ إبداعيٍ ومُذهل، فاجأ الصديق قبل العدو، بالرغم من الحصار المستمر والشامل المفروض عليها، تمكنت المقاومة من تطوير أسلحتها وتحديد أهداف صواريخها ومداها، عدا عن صمود وبطولات المقاومين وأهل غزة، مما أدى إلى زيادة الخسائر الصهيونية في الأرواح والممتلكات بشكلٍ أكبر من أي مواجهة سابقة.
إن مُثلث الإلهام الفلسطيني بالمعنى المشار اليه أعلاه، قد شكل دون أدنى شك نموذجًا ودرسًا يمكن الاستفادة منه والبناء عليه في المستقبل.
إرسال تعليق